بقلم د. كارل ويندسور كبير مسؤولي أمن المعلومات(CISO) في فورتينت

كتب: دارة نيوز
في ظل التطور المستمر لمشهد الأمن السيبراني اليوم، يظل البقاء في طليعة مواجهة التهديدات المحتملة تحديًا متواصلًا. إذ تواجه المؤسسات تهديدات متنوعة، بدءًا من الهجمات المستمرة المتقدمة وصولًا إلى برامج الفدية والبرمجيات المدمرة.
ومع ذلك، تبرز الحوسبة الكمومية كأحد أكبر التحديات وأكثرها تعقيدًا وتأثيرًا في المستقبل القريب. فبفضل قدرتها على إجراء عمليات حسابية معقدة بسرعة تفوق بكثير أجهزة الحواسيب التقليدية، تعد الحواسيب الكمومية بإحداث ثورة في العديد من المجالات العلمية، مثل الكيمياء والفيزياء وعلوم المواد. ولكن في الأيدي الخاطئة، يمكن أن تشكل هذه التكنولوجيا تهديدًا جسيمًا، حيث يمكنها اختراق أساليب التشفير الحالية وكشف البيانات الحساسة للمهاجمين.
أمن المعلومات وأساليب التشفير التقليدية
تعتمد بروتوكولات التشفير الحالية على صعوبة تحليل الأعداد الكبيرة أو حل مشكلات اللوغاريتمات المعقدة لضمان الأمان. ولكن مع تقنيات متقدمة مثل خوارزمية “شور”، يمكن للحواسيب الكمومية حل هذه المشكلات بكفاءة، مما يجعل أساليب التشفير التقليدية عرضة للخطر.
ورغم أن توفر حاسوب كمومي قوي قادر على اختراق التشفير الحديث قد لا يكون وشيكًا خلال السنوات الثماني إلى العشر القادمة، فإن الابتكارات المتواصلة تقلص هذه المدة. وتكمن المشكلة في أن الخصوم يقومون بالفعل بجمع وتخزين البيانات الحساسة اليوم، على أمل فك تشفيرها في المستقبل، مما يستدعي اتخاذ تدابير استباقية لحماية المعلومات من تهديدات ما بعد الكم.
الاستعداد لمستقبل الكم
مع إدراك المؤسسات للمخاطر التي تفرضها الحوسبة الكمومية، أصبح تبني استراتيجيات التشفير الآمن ضد الكم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فعلى سبيل المثال، تزايدت المخاوف بشأن التجسس على كابلات الألياف البصرية تحت سطح البحر وأساليب اعتراض البيانات الأخرى، مما يؤكد ضرورة تأمين قنوات الاتصال الآن ضد تهديدات الكم المستقبلية.
يشير مصطلح “التشفير الآمن ضد الكم” أو “التشفير لما بعد الكم” إلى البروتوكولات المصممة لمقاومة الهجمات الكمومية. وعلى عكس التشفير التقليدي الذي يعتمد على التعقيد الحسابي، فإن التشفير الآمن ضد الكم يعتمد على مشكلات رياضية يُعتقد أنها مستعصية حتى بالنسبة للحواسيب الكمومية، مثل التشفير القائم على الشبكات، والتشفير القائم على الدوال الهاشية، والتشفير متعدد الحدود الجبرية.
استراتيجيات التشفير الآمن ضد الكم
لمواجهة هذه التهديدات، يجب على المؤسسات اعتماد تقنيات تشفير آمنة ضد الكم قادرة على تحمل التطورات في مجال الحوسبة الكمومية. وهناك ثلاث مقاربات رئيسية يتم استكشافها اليوم:
السباق نحو حلول التشفير الآمنة ضد الكم
استجابةً للتهديد المتزايد الذي تمثله الحوسبة الكمومية، يعمل مجتمع الأمن السيبراني العالمي على تطوير معايير التشفير الآمنة ضد الكم. وقد قاد المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) مشروع “توحيد معايير التشفير لما بعد الكم” بهدف تقييم وتوحيد الخوارزميات المقاومة للكم. ومن خلال عمليات انتقاء صارمة وتحليل تشفير متقدم، يمهد المعهد الطريق نحو تبني واسع النطاق لتقنيات التشفير الآمنة ضد الكم.
ومع ذلك، فإن الانتقال من التشفير التقليدي إلى الحلول الآمنة ضد الكم يمثل تحديات كبيرة، بما في ذلك التوافق التشغيلي، وتأثير الأداء، والتوافق مع الأنظمة القديمة. لذا، يجب على المؤسسات تقييم بنيتها التشفيرية بعناية ووضع خارطة طريق للانتقال نحو تشفير مقاوم للكم.
حماية بيانات اليوم من تهديدات الغد
مع استمرار تطور التهديدات السيبرانية، يعد ضمان الأمان طويل الأمد للمعلومات الحساسة أمرًا بالغ الأهمية. ويوفر التشفير الآمن ضد الكم نهجًا استباقيًا للتخفيف من مخاطر الكم وتأمين البيانات الحساسة ضد الهجمات المستقبلية.
من خلال الاستثمار في الحلول الآمنة ضد الكم اليوم، يمكن للمؤسسات تعزيز بنيتها التشفيرية والتأكد من مرونتها في مواجهة التطورات التكنولوجية السريعة. ورغم أن الانتقال إلى التشفير الآمن ضد الكم عملية معقدة، فإن فوائد حماية البيانات الحساسة تفوق بكثير التكاليف المصاحبة لها.
ومع استمرار تطور الحوسبة الكمومية، فإن الوقت للعمل هو الآن. ويتطلب ضمان أمان البيانات في المستقبل التزامًا جماعيًا بالابتكار، والتوحيد القياسي، واعتماد ممارسات التشفير الآمنة ضد الكم. وبالعمل معًا، نمهد الطريق لعصر جديد تتجاوز فيه أمان البيانات حدود الحوسبة التقليدية، ونؤسس لعالم من الاتصالات والتشفير الآمن ضد الكم.